السبت، 28 يونيو 2014

معضلة الوجهين





معضلة  الوجهين
د. رمضان حينوني 
 



أي شعور ينتاب المرء وهو يتأمل واقع العالم العربي والإسلامي اليوم، حينما يقرأ قوله تعالى:[ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون] (الصف 2-3)، وقول رسوله الكريم: [ تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ]؟
يتفوق كثير من الناس في الحديث عما يجب وما لا يجب من أمور الحياة، ولو شئت منهم محاضرات في هذا الباب لهان أمرها عندهم، فهم أساتذة النظريات وأرباب الاستشهادات من القرآن الكريم والحديث الشريف وما شئت من كلام الأولين والآخرين.. لكنهم، وبعد أن يمسحوا عنهم عرق جهد الكلام، وبعد أن يبردوا مهجهم بما لذ وطاب من المأكول والمشروب، يتصرفون كأي إنسان عادي يرى أنه يحيا لذاته ومصالحه، ولا يهمه ما يحدث خارج (خيمته)، وكأن شعاره يقول:(كلام الليل يمحوه النهار)، أو( اعملوا بما أقول لا ما أعمل)، ناسيا أو متجاهلا أن صورته الكاريكاتيرية تلك هي السبب في كفر البسطاء بالقيم، وجحودهم بالمبادئ التي يسمعون عنها، لأنهم لا يجدون غير نقائضها في سلوكات الناس وتصرفاتهم.

على أن الناس في هذا الأمر صنفان: صنف صادق النية ، يعقد في نفسه العزم على أن يبذل الجهد في توجيه الآخرين إلى الخير، ويحاول أن يكون القدوة لغيره، ولكنه يشعر أن الأبواب في وجهه موصدة، وأن الناس لا يستجيبون إلا لما يعود عليهم بالدينار والدرهم والسمعة الزائفة، فيتسرب اليأس والقنوط إلى نفسه، ينتهي به إلى ترك ما باشره ويطمئن إلى أجر المحاولة، وصنف منافق ماكر يسعى إلى تلميع صورته الصدئة في عيون المغفلين والسذج، معتمدا خطابا من النوع الذي يبكي ويضحك في الآن نفسه، فيحول سامعه إلى حائر أو شبه معتوه، لما فيه من الكذب البين الذي لا يصدق، والتصنع الواضح الذي لا يخفى، والبعد عن المصداقية الذي لا يشرف، وتكاد هذه تطل برأسها جميعا من جوانب شدقيه..
كلا الصنفين سلبي، وإن تفاوتت السلبية بينهما، فعيب الصنف الأول أنه يكرس حتمية الفشل في كل جهد يسعى إلى إصلاح أمور الناس التي تزداد تعقيدا بفعل مستحدثات المدنية، وعيب الصنف الثاني أنه يكرس فكرة استحالة التغيير والتقويم لأنهما بأيدي من لا يؤمن بهما ولا كفاءة له لتحقيقهما. وخير منهما من يطهر نفسه من شوائب الرياء والأنانية وينبري لفعل الخير والإصلاح دون الالتفات إلى من امتهنوا السباحة ضد التيار، أو الصيد في الماء العكر، أو الطعن في الظهر..
من مآزق الإنسان في عصرنا إظهاره وجهين مختلفين، واعتماده خطابين متباينين ، بل وانشطاره في تفكيره وتعامله مع الناس شطرين لا يمت أحدهما إلى الآخر، فيدخل متاهات الضياع، ويغوص في مستنقع التخلف، ويسيء من حيث يدري أو لا يدري إلى عقله ودينه وعقيدته التي تريد هداية البشرية إلى أسباب السعادة ومراتب السمو ومنازل التقدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق