د. رمضان حينوني
ramdanne@gmail.com
من رجالات التعليم الذين نحتفظ لهم بكثير من الود
والاحترام أولئك الذين كنا نراهم آباءنا وإخواننا الأكابر في أقسام الدراسة كما في
الشوارع والطرقات والمرافق العامة.. نحترمهم، بل ونهابهم أيضا لما كانوا يمثلونه
في حياتنا من هيبة نتيجة لرسالتهم النبيلة التي كانوا يؤدونها بإخلاص وكنا نحن
نفهمها ونقدرها بحسب ما كان لنا وقتها من الوعي..
أذكر أن الشيخ (عبد القادر حشلاف) رحمه الله كان أول
معلم في مشواري الدراسي، بالمدرسة المسماة حاليا (مدرسة بوزادة العيد) وتعلمت على
يديه الحروف والأرقام، وهو الذي فتح لي ولزملائي بوابة حب العلم من خلال جمعه بين
صرامة وعطف تليقان بسنه المتقدمة، وخبرته في مجال التربية الدينية التي كانت له
نشاطا ثانيا في حيه العتيق.
في السنة الثانية أطل علينا الأستاذ (مصطفى حمودة)، بفيض
شبابه وحماسته فأيقظ فينا شعلة التنافس الدراسي، وبحث فينا عن طاقة الطفولة وفجرها
نشاطا وعملا.. ما زلت أذكر دروس المحادثة وكيف أنها كانت تدخلنا عالم التمثيل الذي
لم نكن نعرف عنه شيئا قبل ذلك. وكيف كان يجعلنا نشعر أننا نبني أنفسنا وثقافتنا
بطريقة الحوار والتحاور وكانت تجربة فريدة عرفنا قيمتها لاحقا.
كان قوامه الرشيق، وخطواته المتزنة يتماشيان وإصراره على
أداء رسالة كان وطننا الفتي وقتها في حاجة إليها.. وكنت وزملائي نقطع معه المسافة
بين وسط المدينة والقصر العتيق نحمل عنه دفاتر التلاميذ لتصحيحها والسعادة تغمرنا..
ذلك أن هذا العمل البسيط في شكله كان بالنسبة إلينا ثقة ومسؤولية أكثر منه خدمة لمعلم يستحق الخدمة.
في الفترة المتوسطة انتقلنا إلى المتوسطة الوحيدة آنذاك،
وكانت تقع في النصف الثاني من مدرسة بن عراج عبد الرحمن حاليا، ولكثرة الأساتذة
أتوقف عند بعض من أولئك الذين حببوا إلينا التعليم وقربوه من أنفسنا .. أذكر
الأستاذ (سليمان بن زيان) الذي كانت حماسته وفصاحته تذهلنا، استطيع أن أقول معتزا
أنني أحببت قواعد اللغة العربية على يديه، حركيته وتوجيهاته ونصائحه ومعلوماته
الموثقة بالقرآن الكريم والحديث النبوي كانت كلها تشدنا إلى دروسه شدا.
أذكر أيضا الأستاذ (العربي بن زيان) الذي تشكلت في
أذهاننا وقتها عنه صورتان صورة صارمة متشددة
في السنة الأولي أو الثانية، مترجمة في المحاسبة الشديدة والعقاب في حال
التهاون، فكان ذلك مبعث احتياطنا واحتراسنا، وصورة تفاعلية ومتسامحة إلى حد ما في
السنتين المتبقيتين من الفترة المتوسطة. لكنه في كل ذلك كان مثالا للأستاذ الكفء
الذي يتقن عمله، ويحبب المادة إلى تلميذه، ولا أنسى إعجابنا وقتها بطريقته المذهلة
في عرض القصص، وهي الطريقة التي تضاهي قصص الأستاذ الفرنسي (جاك فيرن).
و(جاك فيرن) نموذج آخر من هذه المجموعة الفريدة من
الأساتذة الذين عايشت فترات من نشاطهم التربوي، فقد كان فرنسيا مخلصا للغته
وثقافته ، يسعى إلى ترسيخها بإخلاص مذهل. ولا ننكر أنه كان يملك من الوسائل ما
يأسر به التلميذ داخل لغته الفرنسية. وأكتفي هنا بذكر ميزتين طيبتين في تدريسه
ساهمتا في تحبيب هذه المادة إلينا واستفادتنا منها : الأولى هي طريقته الرهيبة في
عرض القصص، حتى ليجعلك تخرج من واقعك لتدخل عالم القصة التي يرويها بكل ما أوتي من
قدرة تمثيل وتجسيد قولية وحركية، إلى الحد الذي جعلنا ننتظر حصصه بكثير من الشوق.
أما الثانية فهي طريقته في جعلك تدرك أخطاءك في التعبير ، فهو يكتفي بأن يضع خطه
الأحمر تحت الخطأ ، ثم يسلمك الورقة لتصحيح
أخطائك بنفسك، فإذا أبقيت عليها رد إليك الورقة ثانية وهكذا حتى تستكمل
التصحيح بنفسك، ومن محاسن هذه الطريقة أنها ترسخ الصحيح في ذهنك فلا يكاد ينسى.
مثل ذلك كانت تفعله الأستاذة(مادام حمزة) المرأة التي لم
تكن تقل قوة وإخلاصا في تدريس الفرنسية من الأستاذ فيرن ، كان نشاطها وحركيتها داخل
القسم لافتين للانتباه، تتابع أعمالنا باهتمام شديد، وتختبر فهمنا بطرق عديدة، لقد
كانت تملك خبرة كافية في قراءة الوجوه، وتعرف من وجوهنا ما إذا كنا فهمنا القضية
المطروحة أم لا، أما طريقتها في تمييز النجباء فهي إلقاء النكتة بالفرنسية من حين
لآخر فتعرف من الضاحك أو المبتسم أنه أدرك فهمها.
في العلوم الطبيعية كان يطل علينا منصور أوكيلي في ابتسامته
الهادئة كل أسبوع ليعرفنا على الطبيعة وما تحتويه من قوانين ونظم وحيوان ونبات،
قبل أن ينتقل بنا إلى عالم مجرد هو عالم الرياضيات ومعادلاتها وأرقامها، وأكثر ما
نذكر الأستاذ منصور هو في دروس العلوم الطبيعية في السنة الأولى ، وذلك النشاط
والتفاعل اللذين كانا يدفعانا إلى معرفة ما يجود به علينا من معلوما ، وخصوصا في
الحصص التطبيقية التي كان يتقنها بشكل كنا نتمنى معه أن لا تنتهي الحصة. ثم أطل
علينا الأستاذ بوقربة رحمه الله بصرامته وجديته اللتين كانتا تظللانا بجو من
الرهبة، وتدفعانا إلى الجد وتجنب التهاون مخافة صرامته، ولكن دروسه كانت مع ذلك
رائعة منظمة ومتسلسلة تتسرب إلى العقل بسلاسة.
وبنفس الفخر والتقدير نذكر مدرس الإنجليزية الأستاذ
مقدم، الذي لا أنسى أبدا قدرته الفائقة في الجمع بين الفكاهة والإفادة، في شرحه
للدروس وفي تقريبه لمعنى الكلمات إلى أذهاننا، فقد كانت حركات جسمه وأطرافه إضافة
إلى رسومه شبه الكاريكاتيرية على السبورة هي السبيل إلى فهم كثير من الكلمات التي
اقتحمت ساحتنا لأول مرة في المتوسطة، أما في مراقبة الامتحانات فالغش عنده من
أحدنا هو أحد المستحيلات بما يفرضه على التلاميذ من حصار تلعب فيه حواسه الخمس
جميعها دورا فعالا، وكم نفض طلاسة السبورة على رؤوسنا ووجوهنا عندما تبلغ حماقاتنا
معه مداها.
أما أستاذا التاريخ والجغرافيا وقتها أحمد طرفاية وأحمد
آغا فقد كانا مبدعين في توصيل المادة إلينا، أما إذا ذكرنا لطفهما وحسن معاملتهما
فإن الوقت بنا يطول.
لكن المدرسة معرض لطيف فيه الجمال والقبح، وفيه السكينة
والرعونة كما يقول أحمد أمين في سيرته الذاتية، وذلك يعني أن مدرسين آخرين لم نأخذ
منهم سوى السلبيات، من ظلم وإهمال وغيرهما، ولا أحب أن أذكر الأسماء صيانة
لكرامتهم رغم كل شيء، فهم مربون أولا وأخيرا، ولعلهم حسنوا سيرهم وطرق معاملاتهم
مع الذين جاءوا بعدنا، فلا نظلمهم بل نترك أمرهم إلى الله هو مولاهم، وهو الذي
يحكم بيننا وبينهم.
كان بعضهم يفرط في احتقار أبناء الفقراء من أمثالنا،
ويظلمهم بما يثبت صور الظلم في أذهانهم الصغيرة فترة طويلة، ولا يشفع لهم نجابة
يظهرونها، ولا سعيا حثيثا نحو النجاح يبدونه، فكان ذنبهم أنهم ضعفاء لا ظهير لهم
إلا الله.
على أن هذه الفئة والحمد لله قليلة بين كثرة عملت ما في
وسعها لينال التلاميذ حظوظا متساوية من التعليم، بصرف النظر عن أحوالهم الاجتماعية
أو المادية. لهذا ترانا عندما نتذكر فترة الدراسة في الطفولة نشعر بالارتياح
والسرور عموما، لأننا استطعنا أن نجتاز هذه المرحلة بنجاح أولا ، وثانيا لأننا
وجدنا هذه الزمرة من المدرسين الذين سنظل نفتخر بهم ما حيينا
كانت هذه صفحات من ذكرياتي في المرحلتين الأوليين من
التعليم، وإن كنت قد درست على أيدي عدد آخر من المعلمين والأساتذة، ولكنني في هذه
العجالة تذكرت منهم هؤلاء الذين أغتنم الفرصة التي تتيحها هذه الصفحة لأتوجه إليهم
جميعا أحيائهم وأمواتهم بالتحية والإكبار والتقدير لما بذلوه في سبيل إنارة دربنا
وتحبيب العلم إلينا، آملين من المولى عز وجل أن يجعل ما بذلوه في ميزان حسناتهم.
في المرحلة الثانوية تغيرت أمور كثيرة.. كان علينا أن
نبتعد عن بني ونيف لغياب المؤسسة ونلتحق بثانوية العقيد لطفي بالدبدابة التي تتوفر
على نظام داخلي لإيوائنا، وكان علينا أن نتأقلم مع العدد الكبير من الأساتذة
الأجانب الذين كانوا وقتها يؤطرون المدرسة الجزائرية ، من دول عديدة عربية وغير
عربية. أذكر مثلا الأستاذ حاتم المصري ، والأستاذ كاظم العراقي وأستاذ آخر من
السودان لم أعد أذكر اسمه وكلهم في مادة الفيزياء، أذكر الأستاذتين مادام بيرتيه ومادام
دوفيناج الفرنسيتين في مادة اللغة الفرنسية، والأستاذين أمجد حسين و شاهد إقبال
الباكستانيين في الإنجليزية، والأستاذ حبيب التونسي في التاريخ والجغرافيا،
والأستاذ بدر أحمد المصري في الفلسفة، والأستاذ علي محمود الرنتيسي في الأدب العربي،
وآخرين لم أتتلمذ عليهم مثل الأستاذ صلاح البيطار وسعد السيد إبراهيم والأستاذة
رند نبيل رومي، وغيرهم.
أما من أبناء الوطن فنذكر زمرة من الأساتذة الأفاضل مثل
عبد العزيز بطي ومحمد باموسى وحكوم بن يحيى في الأدب العربي، و الأستاذين أم خليفة
دحو، ورابح الأحمر في التاريخ والجغرافيا، والأستاذ أوس في العلوم الطبيعية،
والأستاذين طاهري وعلي خالي في الرياضة البدنية، وغيرهم ممن أنستنا الأيام أسماءهم
مع اعترافنا لهم بالفضل والجميل أينما كانوا ومهما يكن حجم تعاملنا معهم ومدته
وطبيعته.
غير أن الذاكرة ما تزال تحفظ لبعضهم حضورا متميزا لم
تفلح ثلاثون سنة خلت من محوه أو إبعاده، منهم الأستاذ على محمود الرنتيسي
الفلسطيني المتميز الذي دعم حبنا للغة العربية وآدابها سواء من خلال طريقته في
التدريس أو من خلال فصاحته وتشجيعه للمواهب الشابة على الكتابة الأدبية، أذكر يوما
من سنة 1982 حين أظهرت له وأنا طالب في الصف الثاني الثانوي ميلي إلى كتابة القصة،
لكن محاولاتي التي قرأ بعضها لم تكن ترقى إلى المستوى المطلوب. فكتب قصة سماها
(الشيخ عمران)،على سبيل الدعوة إلى أخذها نموذجا، ونسبها إلي في مجلة " آفاق
" التي كانت تصدر بالثانوية.. كان لهذه الحادثة أثر كبير في نفسي من ناحيتين:
الأولى أنني لم أرض بأن ينسب إلي شيء ليس من عملي، والثاني أن الأستاذ دفعني إلى
كثير من الاطلاع على القصة وفنياتها، وإلى محاولات أكثر نضجا وتنظيما، حتى وإن لم
أواصل في مسار الإبداع لأن مجال النقد الأدبي كان يستهويني أكثر.
وكان الرنتيسي رئيس اللجنة الثقافية لمجلة (آفاق) أو
رئيس تحريرها بالتسمية المعتمدة في المجلات ألكبري، وقد لعبت دورا مهما في تشجيع
الطلاب على الكتابة والإبداع، وقد نشر لي فيها بعض الكتابات مثل مقال بعنوان (كفوا عنا هذا الخراب)
في العدد الثامن 1984، وقصة بعنوان(
كلاب مسعورة) في العدد التاسع 1985، ومقال باللغة الفرنسية في العدد نفسه بعنوان:(
la délinquance et la société )، وغيرها. ولقد كانت نسبة المشاركة الطلابية فيها
دائما تتراوح بين الثمانين والتسعين بالمائة مما يعكس حجم الاهتمام الذي أتاحته
للطلاب في قضايا الكتابة والتعبير في مجالات العلم المختلفة.
وإذا كنت لا أعلم من أخباره الآن
شيئا، فإنني أشكره على ما
بذله في سبيل تحبيب الأدب إلي، وأدعو الله تعالى أن يبارك في عمره إن كان حيا، وأن
يتغمده بواسع رحمته إن كان بجوار ربه، فقد كان مثالا للمدرس الناجح الذي يؤثر
إيجابا في طلابه ويدفعهم إلى الإقتداء به.
أما الأستاذة (مادام دوفيناج) فقد فتحت لنا أفقا واسعا
في تعلم اللغة الفرنسية، ورغم حماقاتنا الكثيرة معها، وسلسلة العقوبات التي كبلتنا
بها، إلا أنني أعترف أنني استفدت منها استفادة كبيرة؛ فخلال سنة 1985 استرجعت كثيرا
من أسرار هذه اللغة كما تعلمناها من السيد (فيرن) في المرحلة المتوسطة، بل أكثر من
ذلك أصبحت مع شلة من الزملاء نتجرأ على الكتابة باللغة الفرنسية بغض النظر عن
مستوى تلك الكتابة بالمنظور الصارم. فقد كنا نلعب دور الكتاب المتمرسين بتناول
قضايا أكبر منا ونوقعها في الأسفل بأسمائنا وكأننا أدباء معروفون مشهورون، وكل ما
في الأمر أن الواحد منا كان يكتب مقالا باللغة العربية ثم يغرق في القواميس ساعات
ليجد مقابل ما كتب باللغة الفرنسية مع شيء من القدرة على الربط والتعبير فنحصل على
ما يشبه مقالا من رآه شكلا يحسب أنه لفيكتور هيجو، ومن تأمله يتأكد أنه تلميذ غر
يبحث عن إنجاز بإمكانات بسيطة.. غير أنها كانت تدرك تخابثنا فتنظر إلينا نظرات
مفادها أن تواضعوا فما أنتم إلا أقزام في عالم الكتابة بهذه اللغة الغريبة عنكم..
لكن ملاحظاتها على أوراقنا كانت
مشجعة جدا.. فبعد أن تصحح أخطاءنا تكتب
ملاحظات من قبيل: أنت تبالغ كثيرا .. أو : هل كتبت هذا المقال بنفسك؟ أو شيئا من
ذلك ، وكنا نسعد نحن بهذا لاعتقادنا أن الأستاذة معجبة بما نكتب..
ومهما يكن من أمرها فقد كانت مدرسة
غاية في الإخلاص، تبذل ما في وسعها في سبيل إيصال الدرس إلى أذهاننا، وذلك مما لا
يخفى على الطالب حتى وهو في مراحل تعليمه الأولى.
وإذا التفتنا إلى النموذج الثالث
وجدناه ممثلا في الأستاذة أم خليفة دحو، الأستاذة التي حببت إلينا التاريخ الحديث
بكل مآسيه وإنجازاته.. كانت حينذاك في عز شبابها، نشيطة دءوب يهمها أن يصل الدرس
إلى أكبر عدد من التلاميذ. أذكر أن مشكلتي عندها والتي طالما سجلتها على أوراق
امتحاناتي هي ميلي الواضح إلى التعبير الأدبي في مادة تحتاج إلى اللغة المباشرة
والبسيطة.. كنت أسرح بخيالي في تاريخ البشرية الحديث وكأنني أريد صنع عالم خاص بي
فيه بعض الشبه بالعالم الحقيقي ولكنه لا يطابقه. أو بعبارة أخرى كانت ذاتيتي فيما
أعبر عنه من أحداث ومعاهدات طاغية إلى الحد الذي يجعل الموضوع أشبه بخواطر منه إلى
المقال التاريخي ما تطلب مني جهدا كبيرا للتغلب على هذا المشكل.
أذكر أنها رشحتني مرة لمسابقة
ولائية عن القسم الذي كنت أنتمي إليه وكانت هي تشرف عليه، في موضوع بالغ الأهمية
يتعلق بالتنمية في العالم الثالث.. كان ذلك تحديا بالنسبة لي، لأن الفوز بإحدى
الجوائز الثلاث كان في الحقيقة انتصارا لاختيارها، بذلت جهدي لتحقيقه مؤمنا بأنني
أستطيع الوصول إلى ما أريده وتريده، وفي النهاية كان لنا ما أردنا .. حصلت على
الجائزة الثانية وهي ليست سيئة على كل حال.. أذكر أنها قالت لي بشيء من اللوم
اللطيف:" لو أنك وظفت أسلوبا مباشرا في كل البحث لكنت جديرا بالمرتبة
الأولى". وبما أنها أول مسابقة أخوضها في حياتي الدراسية فقد سعدت لهذا
النجاح.. غير أنني لا أذكر إن كنت شكرتها على ثقتها في اختياري أم لا.
كانت الأستاذة أم خليفة أقرب إلينا
كأنها أختنا.. أذكر أنها كانت تستشير أحدنا أحيانا في أمور يعتقد أن الأستاذ لا
يستشير فيها تلميذا في صفه، كأن يكون سؤالا عن مناسبة حجم النص المختار للتدريب،
أو الواجب المنزلي مثلا ، وكنا نشعر في وقتها أنها تحاول تقليل الفارق الذي يفصل
بين الأستاذ في (عالمه العلوي) وبين التلميذ في (وضعه السفلي المحدود)، فجزاها
الله خيرا على ما بذلته من أجلنا في مرحلة كنا أحوج ما نكون للتوجيه الصحيح
والمعاملة الطيبة.
هذه مجموعة نماذج أحببت أن أخصص
لها حديثا، ومن المؤكد أن ثمة نماذج أخرى مثلها في الفضل والإخلاص، وربما أفضل
منها عند غيرنا من الطلاب، لكنني أردت بذلك أن أنقل إحساس طالب وهو في مقاعد الدرس
تجاه من تداولوا على تعليمه، خصوصا وأننا أصبحنا أساتذة في مثل مستواهم الدراسي أو
أعلى من ذلك، وأصبحنا نتعامل مع الطلبة كما تعاملوا هم معنا.. وبما أنني لا أعرف عن
أغلبهم الآن الشيء الكثير فإنني لا أملك إلا أن أكرر دعائي لهم بحسن الجزاء
والأجر، والفوز برضا الله الذي أخلصوا عملهم لوجهه الكريم، وأن يكونوا ممن قال
فيهم المولى عز وجل( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق