ترجمة
د. رمضان حينوني
مخبر دراسة الموروث العلمي والثقافي
لمنطقة تمنراست
المركز الجامعي لتامنغست
"الهقار.. إنه أرض واسعة في الجزائر، مركزه على بعد
2000 كلم جنوب الجزائر العاصمة، ومساحته أقل بقليل من مساحة فرنسا(480000 كلم مقابل551000 كلم). جباله
العالية (حوالي 3000م) المحاطة من كل جانب بالرمال الممتدة في قلب الصحراء تعطي
الهقار طابعا سحريا وأسطوريا.. ألم تدفع
جبال الهقار المدهشة الرحالة نحو البيئات الواسعة الأقل عدائية؟
لقد أعجب المكتشفون والعسكريون وعلماء الآثار وعلماء ما
قبل التاريخ والجغرافيون والجيولوجيون وعلماء النبات بهذه الأرض العذراء وما زالوا
كذلك، إنهم كثيرون أولئك الذين فتحوا لنا أبواب المعرفة من (دوفيرييه duveyrier إلى الأب دي فوكو Pére de Foucauld )، مرورا بجيل كامل من الباحثين من أمثال (كونراد
كيليان
Conrad Kilian ،
وهنري لوط
Henri Lhote ،
ووتيودور مونو
Theodore Monod )
إضافة إلى عهد كامل من المنافسة من (فلاطيهFlatter إلى لابيرينLapperine )،
وبفضلهم أصبح الهقار معروفا لدينا، فهذا البلد المجهول والساحر أصبح أقل عدائية
وسرية.
لنعترف أننا ساهمنا نحن أيضا في تقديم صورة مغلوطة أو
مبالغا فيها عن شعبه.. أولئك الرجال الرزق الملثمين بشكل غريب، الذين يقطعون
الأراضي الجبلية الصعبة .. سادة الصحراء الذين يغيرون على غيرهم وينهبون الرحالة
المسافرين ويقتلون المستكشفين والمحتلين.. أولئك الذين يعيشون خارج قوانيننا.. وإلا
كيف كان يمكن أن نتصورهم؟ لقد كان موطنهم
الأصلي عقبة ومحنة في نظرنا، وكانت لغتهم لغزا، وأصولهم علامة استفهام كبرى. لقد
أخذنا عن الطوارق صورة شعب ملثم، أعينه تائهة في أعالي الجبال الصعبة أو في الأفق
الممتد.
لكن وبعد الاهتمام بالأرض أصبح سكان الهقار مادة للفضول
العلمي الواسع من اللغويين وعلماء الأعراق والأنترويولوجيين الذين اهتموا بالبحث
عن هوية الطوارق، ولم يتركوا شيئا جانبا ، درسوا أشياء كثيرة في سبيل الوصول إلى
النتيجة؛ من (الأب دي فوكو) الذي درس لغة (التماشق) إلى (مارسو غاستMarceau Gast ) الذي عكف على تغذيتهم.
بفضل هؤلاء حققنا بداية
بطيئة من خلال دراسات مثل "طوارق الهقار" (لهنري لوط)، و" الهقار"
لـ(كلود بلانغيرنونClaude Blanguernon ) التي حدثتنا عن شعب ملثم على
رأسه ملك و يتكون من نبلاء وخدم وعبيد، وعن اقتصاد مغلق ومقايضات تجارية، وعن نظام
أمومي مربك.. كما قربنا أدب وافر من الطوارق، بدءا من "أطلنتيد Atlantide " لـ(بيير بينواPierre
Benoit ) إلى
روايات (فريسون- روشFrison-Roche ).
هل وجد شيء لم يكتشف بعد سنة 1975 ؟ يسرني أن أقول إن الصورة التي أخذناها والتي بقيت راسخة على
امتداد نصف قرن لا علاقة لها بتاتا بالواقع الحالي، لقد بنيناها انطلاقا من
الحقيقة ولكن بتشويهها أحيانا، وهي جزء من الأخطاء التي لا بد منها والتي بدونها
لا تتقدم المعرفة. و بالطبع ، ما تزال ثمة أسئلة تحتاج إلى تفسير ما دام التاريخ
يمر ، وكل يوم في حياتنا المعاصرة يعقد سيرورة التاريخ.
لا أدري إلى أين تمضي الحقيقة، وأين يتوقف الخطأ، لست
عالمة و لا واسعة المعرفة، لكنني اكتشفت في الهقار ما هو أكثر من أرض ساحرة.. لقد
أحببت فيه بلدا من جبال عنيفة وسهول منبسطة، بلدا تتوزع فصوله بين خريف دافئ وشتاء
متجمد وصيف حار، بلدا مغلفا بسماء ليست دائما زرقاء أسطورية، واكتشفت في شعبه ليس
فقط أناسا بدوا في انتجاعهم السرمدي، بل رعاة هادئون متمسكون بأرضهم بين حدين
مضبوطين.. اكتشفت أن هذا الشعب الملثم الذي لا نرى منه غير العينين له وجه كالذي
لدينا، بالتعابير التي لدينا من بسمة وهموم ومزاح وقلق وحزن وسعادة." [2]
[1] ولدت أوديت برنيزات
عام 1940 في فرنسا قبالة البحر الأبيض المتوسط، ارتبطت حياتها الأولى بجبال الألب
متسلقة ومدربة تزلج ، وكان يمكن أن تشدها هذه الجبال إليها مدة طويلة لأنها عرفت
بحركيتها الفريدة وقدرتها على التنظيم. في عام 1967، اكتشفت رفقة زوجها (جان لوي برنيزات Jean-Louis Bernezat ) الصحراء الجزائرية، ورغبت أكثر في شق الدروب الوعرة في جبال
الهقار، وفي عام 1969 أنشآ معا وكالة تسمى " رجال و جبال " ، وهي أول منظمة
محترفة في فرنسا وحول العالم تقترح السفر على ظهور الجمال أو مشيا على
الأقدام في الصحراء. وقد كتب لهذا الأسلوب الفريد الدوام مدة 32 عاما برفقة أدلاء
من الطوارق والشعانبة والموريتانيين
والتونسيين.
أحصت أوديت برنيزات 180 رحلة قامت بها في صحاري هذه
المنطقة شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، في مقابل 200 رحلة لزوجها (جان لوي) قطعت
خلالها الآلاف من الكلومترات دون محرك سيارة، وتوجت كل ذلك بمجموعة من الكتب والمقالات. للمزيد ينظر الرابط:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق